يعد السيد الخوئي (قدس سره ) من المجتهدين المتميزين الذين أعادوا للبحث الرجالي نضارته وحيويته في البحث العلمي في حوزة النجف الاشرف المباركة ولم يكن مقلدا لغيره في هذا البحث الذي عد من مقدمات المجتهد إذ يعالج فيه المصدر الثاني من مصادر التشريع من حيث معرفة طرق هذه الأحاديث الموجودة بين أيدينا ولا يمكن التسليم بصحتها جميعا أو رفضها جميعا للإجماع الحاصل بين جميع المسلمين بتحريف بعضها ووضع البعض الأخر على لسان المعصوم فلابد إذن من عملية فرز وتمييز تتمثل بمعرفة علوم الحديث العلم المشرح لعناصر الحديث تشريحا نعرف به علته وهو ما قام به الإمام السيد الخوئي (قدس سره ) في أبحاثه العلمية على مدى حقبة زمنية طويلة خلص إلى معجمه في الرجال مقدم له مقدمة رائعة تعد الأصول في معرفة وتمييز الرجال وطبقاتهم اقتصرنا على المقدمة الثانية فقط لأهميتها في طرق معرفة تمييز الوثاقة أو الحسن واسمينا بحثنا باسم ((التوثيقات الخاصة عند السيد الخوئي (قدس سره ) أسسها وضابطها))، وكان المبحث الأول في نص المعصوم، والثاني في نص المتقدمين والثالث في نص المتأخرين والرابع في إجماع المتقدمين، وأخيرا نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا بقبول أعمالنا وله المنة علينا والحمد لله رب العالمين.
المبحث الأول: نص المعصوم وأثره في الوثاقة أو الحسن.
(الأسس والضوابط)
النص له سلطة في تمييز الرجال بعضهم عن البعض فتارة يأتي النص من غير المعصوم وأخرى من المعصوم والكلام عن الثاني فنص المعصوم على إثبات العدالة والمدح والحسن لا ريب فيه انه سلطة تؤخذ بل ربما أعلى مراحل التوثيق ولا إشكالية تذكر في هذا الكلام بل ان أسس اعتماد الرجال على مثل هذه التوثيقات وقد سميت بالتوثيقات الخاصة ونعني به: التوثيق الوارد في حق شخص أو شخصين من دون ان يكون هناك ضابطة خاصة تعمهما وغيرهما() وهي تقابل التوثيقات العامة التي يراد منها توثيق جماعة تحت ضابطة خاصة وعنوان معين() ومنها ما رواه النجاشي (ت:450هـ) في ترجمة عبيد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي ان آل أبي شعبة بيت بالكوفة وهم ثقات جميعا() وفي ترجمة محمد بن الحسن بن أبي سارة :((وهم ثقات لا يطعن عليهم بشيء))()، ولكن الكلام عن التوثيقات الخاصة وإنما ذكرنا العامة لبيان وقع ذلك عند المسلمين وهو غير منحصر عند الامامية ولربما قيل التوثيق العام حكمه حكم التوثيق الخاص(). فالتوثيق الخاص إذا صدر من المعصوم فهو يثبت الوثاقة إلا ان الثبوت يتحقق عن طريقين:-
1-الإحراز الوجداني:
وهنا يصرح السيد الخوئي (قدس سره ) :ن الوجدان غير متحقق في الغيبة إلا نادرا() ، غير متحقق في زماننا هذا ()، والوجدان مفهوم غير منضبط بشيء فكثيرا ما يستدلون بذلك وهل هو استعداد نفسي لإدراك الأشياء من الأقوال والأفعال والأفكار والتفرقة بينهما؟() ،عبر عن الوجدان بأنه: الشعور أو العاطفة أو الضمير أو النفس.
واصطلاحا: نفس وحواس المكلف، فقول الفقهاء: ثبت لديه الأمر بالوجدان يراد به انه حصله أو تحقق منه بنفسه شخصيا أي بحواسه من دون واسطة خارجية، فعبارة ثبت لديه الهلال بالوجدان تعني برؤيته المباشرة ( )، والوجداني: العاطفي أو المدرك بالحواس الباطنة()، في حين عرفه احدهم تعريفا آخر أي الوجدان: حالة نفسية تجعل الإنسان متأثرا بعواطفه أكثر من تأثره بفكره() والوجدان هو الضمير()، ومن هذه المعاني المتعددة.
لن يتضح هذا المفهوم بشكله الصحيح إلا انه استعمل عند الفقهاء في مباحث مختلفة ،ففي بحث القراءات في كتاب البيان للسيد الخوئي (قدس سره ) صرح السيد(قدس سره ) حول تواتر القراءات عند البعض فقال: ((دعوى التواتر مما يكذبها الوجدان))()، وهنا دليل لرد دعوى التواتر للقراءات هو الوجدان، وذكره في موضع آخر في التعرف إلى آية الصدقة بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو حكم متوجه لمن يملك الصدقة لا لمن لا يملكها وهو ما يستقل به العقل ويحكم الوجدان بصحته().
ويمكن على هذه المعاني إحراز ولو بنسبة حكم المعصوم على أصحابه ليس مرة القول فقط بل يمكن التعدي إلى الفعل والتقرير بمراجعة كتب السير والتراجم أو من حمل الأفكار الأقرب للمنهج الواضح لهذه المدرسة الحديثية المرتبطة بخط الرسالة.
وكثيرا ما يستعمل الفقهاء لفظة الوجدان كدليل مسلم به مع الاختلاف في هذا الوجدان باختلاف النظر فقد صرح صاحب الكفاية الاخوند الخراساني (ت:1328هـ):بـ(صحة استعمال اللفظ فيما يناسب ما وضع له هل هو بالوضع أو بالطبع؟ وجهان بل قولان أظهرهما انه بالطبع بشهادة الوجدان)()، وهنا أيضا دليله الوجدان وقد تكرر كثيرا في هذا الكتاب بل كتب الأصول كلها قد ورد فيها لفظ الوجدان كدليل، ولكن حددته القضايا النفسية والذهنية لأنه الدليل الوحدوي في مثل هذه الأمور()، وعلى هذه الأمور المذكورة لا يمكن إيجاد ضابطة لدليل مثل هذا، ثم ان دليل الوجدان إذا كان يعني القطع واليقين فهو موجود في عصر الغيبة الصغرى والكبرى وكذلك في الحضور بل هو دليل كلي ينطبق في كل عصر واوان بل انه مما يستدل به عند العقلاء، وهو ما ذكروه في إثبات الهلال بالوجدان وعنوا به الرؤية المباشرة، بنفس وحواس المكلف، ويظهر من تعار يفهم اللغوية والاصطلاحية إدراك الدليل بالنفس والحواس وهي قد تكون فعلية عملية أو عقلية فكرية وان مناقشة ذلك يكون بالنقل والعقل. أما اذا كان الم المقصود الوجدان العقلي المعاصر فهو غير متحقق وإذا قصد العملية الفكرية فهي متحققة ويمكن تحرز بالقرائن الداخلية والخارجية مع النقد لما نقل حتى يمكن الخروج بنتائج ملموسة كما في مسألة القراءات وقد مر تصريح السيد الخوئي في نفيه دعوى التواتر بالوجدان لذلك لم ينف الوجدان كليا، كما نفاه غيره وان قال بالندرة فيه، والبحث فيه يتطلب المزيد من تحديد المفهوم ومقامات الاستدلال به.
2-الرواية المعتبّرة
وفي هذا الطريق يمكن التعرف على وثاقة من مدحه المعصوم ( عليه السلام ) وهو موجود بكثرة في كتب الرجال ومن أهمها اختيار الكشي الذي نهج منهج الروايات الواردة عن المعصوم في توثيق الرجال وتضعيفهم وهو محل النقاش في هذه الروايات الذامة والمادحة كالروايات الذامة والمادحة للمعلى بن خنيس وغيره ومن هذه الروايات يمكن تحديدها وبيان درجتها كما ناقش السيد الخوئي (قدس سره ) ذلك ورجح التوثيق أو التضعيف حسب مناقشته لتلك الروايات وأسانيدها.
وفي تحقيق حال المعلى بن خنيس رجح السيد الخوئي الروايات المادحة لأنها معتبرة على الروايات الضعيفة القادحة منه()، فالرواية المعتبرة من أهم الطرق في التوثيق وقد اعتمدها السيد الخوئي كثيرا في تضاعيف كتابه معجم رجال الحديث، بل ناقش الروايات وأعطى البحث الرجالي حيوية واستمرارية بعدما كاد أن يكون البحث عقيما في هذا الحقل المعرفي.
ناقش الروايات ولم يعتمد التقليد في قبول الروايات في الرجال بل فصل بين الروايات وبين درجاتها من ناحية القبول والرفض وناقش الطرق عند الكشي والنجاشي والطوسي وكذلك بقية كتب الرجال لتتضح الوثاقة والحسن إذا وجدت روايات دالة على ذلك وليس النص عن طريقهم أي أصحاب الأصول لان البحث هنا عن الرواية المعبرة والاعتماد عليها في الجرح والتعديل، فقد اعتمد على وثاقة علياء بن دراع الاسدي برواية معتبرة مع إلغاء الروايات الضعيفة بحق() وقد وثقه الإمام الصادق ( عليه السلام )()، وكذلك استدل على وثاقة محمد بن أبي حذيفة برواية معتبرة() وهناك العديد من الروايات المعتبرة التي يستدل بها على وثاقة وحسن الرواة بنص المعصوم كما ان هناك روايات عديدة بتضعيف بعض الرواة ومن يفهم ان الرواية المعتبرة تمثل أسس النقد الرجالي عند الأئمة عليهم السلام ضمن ضوابط الاستقامة والضبط.
ذكر السيد الخوئي (قدس سره ) انه ربما يستدل على الوثاقة أو الحسن بالرواية الضعيفة أو بنقله هو، فقال السيد: ((وهذا من الغرائب))()، ثم علق على ذلك بقوله: ((فان الرواية الضعيفة غير قابلة للاعتماد عليها، كما في إثبات وثاقة الرجل وحسنه بقول نفسه دورا ظاهرا))().
وعلى هذا لا يعمل بالرواية الضعيفة في التوثيق والحسن وغيره بل هي ساقطة عن الاعتبار في الأحكام وغيرها وخصوصا في الأحكام والتوثيق والتجريح، أما من يوثق نفسه فقد استغربه السيد الخوئي (قدس سره ) ثم قال بأنه من الدور الواضح أن يتوقف الشيء على نفسه لان البحث عن وثاقة الرجل من غيره وليس من نفسه وهنا البحث عن نص احد المعصومين في الرواة لإثبات الوثاقة والحسن عن غيره وليس هو الناقل لأنه الدور الواضح، ولكن ما العمل إذا كانت الرواية صحيحة، يفهم من كلام السيد الخوئي الدور الإطلاق.
حجية الظنون الرجالية:
نفى السيد الخوئي دعوى الإجماع على حجية الظنون وقال إنها: ((في المقام قطعية البطلان))()، ومثل ذلك بما ذكره المحدث النوري في ترجمة عمران بن عبد الله القمي نقلا عن الكشي وقد نقل خبرين فيهما مدح عظيم ثم قال: ((لا يضر ضعف سندهما بعد حصول الظن منهما)) وتبعه غيره بدعوى الإجماع على حجية الظنون الرجالية، لقد رد السيد هذه الدعوى بوجهين:-
الوجه الأول: إن وجود الرواية الضعيفة لا يلازم الظن بالصدق.
الوجه الثاني: إن الظن لا يغني من الحق شيئا ودعوى الإجماع على حجيته في المقام قطعية البطلان().
إن مبنى السيد الخوئي (قدس سره ) هو مناقشة المشهور في اغلب أبحاثه ان لم نقل جميعها وهنا أيضا ناقش المشهور لان حجية الظنون في علم الرجال نسب إلى المشهور وعليه ظاهر الفصول واستظهره الملاّ علي الكني واستدل به الخاقاني() بقوله: ((إن الظنون الرجالية حجة ومعتبرة فيما بينهم))()، وصرح الشيخ الأنصاري بقوله: ((إن الظنون الرجالية معتبرة بقول مطلق عند من قال بمطلق الظن في الأحكام))()، إن العمل بمطلق الظن وفق دليل الانسداد ومقدماته التي ذكرها علماء الأصول في أبحاثهم الأصولية وخاصة في الأحكام وهو ينطبق تماما على المباحث الرجالية والعمل بمطلق الظن إذا انسد باب العلم والعلمي لذلك قالوا في هذا الدليل بانسداد باب هذا العلم في زماننا والعلمي أيضا قد انسد لعدم قيام دليل خاص على اعتبار الظنون الرجالية ثم ذكروا مقدمات ثمانية ووصلوا إلى نتيجة إن يتعين الأخذ بالظنون الرجالية وهو المطلوب() ويحقق ذلك بطريق الانسداد إذا تمت مقدماته لذلك صرح الشيخ محمد كاظم الخراساني بقوله: ((فانقدح إن الظنون الرجالية مجدية في حال الانسداد))().
رد السيد الخوئي دليل الانسداد وصرح بأن باب الرجال غير مسند واستدل بان الكتب الأصولية قديما وحديثا إنها ذكرت ان العمل بالظن حرام ما لم يقم دليل على حجيته إلا بعض الظنون الخاصة التي اعتبرها الشارع المقدس ولم يذكر دليل الظنون الرجالية أحدا من الأعلام فضلا عن أن يدّعي الإجماع عليها ثم إن الكتب الفقهية من عهد الشيخ الطوسي إلى زمان الفاضلين المحقق والعلامة الحليين ومن بعدهما: لا تجد فيها من يدّعي حجية الظنون الرجالية ولكن هذا صدر من بعض المتأخرين من دون ذكر منشئه ثم ان دعوى الإجماع على دليل الانسداد كانت متخيلة من إن حجية الظن -على تقدير انسداد باب العلم- أجماعية()، وحقق البحث الغريفي في قواعده إذ قال: ((بناء على ما اشتهر بين جميع المسلمين من كفاية تزكية العدل الواحد في باب التوثيق للأدلة التي أقيمت على ذلك غير دليل الانسداد..... وبناء على قبول شهادة المتأخرين فيه كابن طاووس والعلامة وابن داود ونظائرهم لثبوت احتمال الحس فيها لا مجال لدعوى انسداد باب العلم في التوثيق))()، ولرفع هذا الدليل-الانسداد-قال السيد الغريفي: ((فان ضم توثيقات القدماء إلى توثيقات المتأخرين وبعض القرائن التي يمكن تحصيلها يغنينا عن التنزل إلى العمل بالظن))().
وأنكر السيد الخوئي (قدس سره ) حجية الظنون سواء في الأحكام أو الرجال باطلة جزما كما هي دعوى الإجماع()، ثم اثبت إن الظن حجة من باب الكشف أي حجية العقل الكاشف عن الحكم الشرعي أو حجية الحكومة المستقلة عن الكشف ولا وجود للانسداد حتى نقول بمطلق حجية الظن فيمكن اعتماد الظنون الخاصة المعتبرة من قبل الشارع المقدس وعلى هذا فان باب العلم والعلمي مفتوح للباحثين والدارسين وبهذا أحيا السيد الخوئي البحث الرجالي في مدرسة النجف الاشرف.
المبحث الثاني: نص احد الأعلام المتقدمين وأثره في الوثاقة أو الحسن
(الأسس والضوابط )
يؤسس السيد الخوئي (قدس سره ) نظرية في الوثاقة أو الحسن في ضوء نصوص أعلام الجرح والتعديل من أمثال: البرقي (ت: 274هـ أو 280هـ) ، أو ابن قولويه (ت :368هـ) ، أو الكشي (ت أواخر القرن الرابع الهجري)، أو الصدوق (ت: 381هـ) ، أو المفيــد (ت :413هـ) ، أو النجاشي (ت:450هـ)، أو الشيخ الطوسي (ت :460هـ) ، وغيرهم وذلك من جهتين:-
الجهة الأولى: الشهادة.
يرى السيد الخوئي انه يكفي نص احد الأعلام المتقدمين ولا حاجة للتعدد إلا في باب المرافعات لاعتباره الشرعي() ونقل ذلك عبد الهادي الفضلي كلام أستاذه وضعف احتمال إن التقييمات عند المتقدمين ناتجة عن اجتهاد منهم وذكر اهتمامهم بنقل الشهادات وبكل عناية ثم نقل كلام أستاذه كله()، ولا تعتبر عند السيد الخوئي العدالة بل تكفي الثقة ولذلك اعتمد على توثيقات ابن عقدة (ت : 332هـ) وابن مقتال (ت : 224هـ) وأمثالهما()، والثقة أكثر دائرة من العدالة بل قسمت الأخبار عند البعض وفق دائرة الثقة التي يمكن تشمل جملة الأحاديث عند المسلمين إذ يكفي في مرحلة الطريق إلى المتن دائرة الثقة الواسعة.
الجهة الثانية: حجية خبر الثقة
دفع السيد الخوئي إشكالية الحدس والاجتهاد وإعمال النظر ورفع الاحتمال بعد قيام السيرة على حجية خبر الثقة وان كان الاحتمال موجود وجدانا ولكنهم اهتموا في تأليف كتب الفهارس والتراجم لتمييز الصحيح من السقيم والعديد من كتب الرجال وصلت جملة منها ولم تصل غيرها وان علماء الامامية اعتنوا عناية فائقة بعلم الجرح والتعديل ولم يهملوا هذا العلم كما يبدو لبعض الباحثين لذلك احتملوا الحدس بل نسبوه إلى النجاشي والشيخ، وقد رد السيد الخوئي مثل هذه الدعوى()، ويبدو ان السيد الخوئي أسس لنظرية إعادة النظر في البحث الرجالي ومناقشة الأسانيد بالاعتماد على علماء الجرح والتعديل عند الامامية وفق ضابطة الثقة وتوسيع دائرتها لتشمل نص المتقدمين على التوثيق أو الحسن.
وأيد الشيخ السبحاني السيد الخوئي (قدس سره ) بان الأعلام المتقدمين كانوا يعتمدون في تصريحاتهم على وثاقة الرجل على الحس دون الحدس وذلك بوجوه ثلاثة():-
1-الرجوع إلى الكتب التي كانت بايدهيم من علم الرجال
التي ثبتت نسبتها إلى مؤلفيها بالطرق الصحيحة.
2-السماع من كابر عن كابر ومن ثقة عن ثقة.
3-الاعتماد على الاستفاضة والاشتهار بين الأصحاب
وهذا من أحسن الطرق وأمتنها نظير علمنا بعدالة صاحب صاحب الحدائق وصاحب الجواهر والشيخ الأنصاري
وغيرهم من المشايخ.
وقد استدل السيد الخوئي (قدس سره ) على نظريته بما ورد عند الشيخ الطوسي في كتابه العدة ما يدل على إن علماء الامامية كغيرهم قد اهتموا بعلم الجرح والتعديل اهتماما بالغا فقد جاء في كتاب العدة ما نصه: ((إنا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار، ووثقت الثقات منهم وضعفت الضعفاء وفرقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته ومن لا يعتمد على خيره ومدحوا الممدوح منهم وذموا المذموم، وقالوا فلان متهم في حديثه، وفلان كذاب.....الخ))()، ومن هذا النص يظهر الاهتمام بعلم الرجال عند علماء الامامية فلا يبقى لدعوى الحدس أي قيمة بعد هذا ((الاهتمام بالرواة كيف وهم قد بنو مؤلفاتهم على الأبحاث الرجالية لتقييم السند في كتبهم الفقهية مع استمرار التأليف في هذا العلم في تلك العصور حتى ترابطت مع بعضها البعض فوصلت إلينا جملة منها وان ضاع منها الكثير فدعوى الحدس وعدم وصول السند أو القول بتعدد الشهادة ولا يكفي خبر الثقة هو مما يرد علميا، ومثله من احد المعاصرين يرفض نظرية الكابر عن كابر وثقة عن ثقة ولابد من حصول الاطمئنان بقرائن أو الوثوق بالصدور بدون مناقشة السند لان التقييمات حدسية أو اجتهادية هو ما يثير الاستغراب فان علم الرجال ونظريته خاصية هذه الأمة بل تؤكد الأخبار الصحيحة على إن الأئمة عليهم السلام أشاروا بإعمال الاسناد فعن أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) قال: ((حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي.....الخ))()، ومنه يتضح الإسناد بل علو الإسناد() وروي عن الإمام علي ( عليه السلام ): إذا حدثتم بحديث فأسندوه إلى الذي حدثكم فان كان حقا فلكم وان كان كذبا فعليه))()، وعلق بعض المعاصرين على هذا الحديث بقوله: ((وهذا الحديث المبارك يعتبر أقدم نص عند المسلمين قاطبة يدل بصراحة على أهمية الإسناد وعلو شأنه وانه به ينجو الناقل للحديث من بعض الكبائر))()، وكما اهتم الامامية بالنقل الروائي والإسناد عن الثقات وتمييز الرواة اهتم بقية المسلمين بهذه الخاصية وهذه السمة الملازمة للحضارة الإسلامية بل أصبحت خاصية هذه الأمة إلا وهو نظرية الإسناد وهو أعلى توثيق حضاري في الفكر الإنساني، وقد روي عن عبد الله بن المبارك (ت 181هـ) انه قال: ((الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء))()، إذا كان الاهتمام بالإسناد بهذا الشكل الذي ارسي أسسه الإمام علي ( عليه السلام ) والذي ارسي قواعده وعلومه من الجرح والتعديل أيضا كيف يكون جاء عن حدس واجتهاد عند البعض أو البحث عن الوثوق بالصدور، لقد استدل السيد الخوئي (قدس سره ) بالسيرة المتعارفة من المسلمين جميعا هو اعتماد الفحص عن الإسناد بطريقة التلقي جيل عن جيل بتدوين هذه العلوم في مؤلفات تتكامل ما وجد الحديث الشريف ولم يحث البحث الرجالي وان يضعف في بعض العصور إلا انه يعيد نشاطه في المحاورات العلمية وفي شتى الجوانب الفكرية والعلمية ولا يقتصر على الأحكام بل هو اليوم من صلب الأفكار والبنى العقائدية في مناقشة طرق هذه الروايات عند المسلمين في كتبهم الحديثية فلا تكاد تخلو مناقشة بين المسلمين من ذكر الطرق لمثل هذه الروايات ثم الرجوع لنصوص المتقدمين لمعرفة درجة الوثاقة أو الحسن وبيان سيرة هؤلاء الرواة والاعتماد على ما ذكروه إذا كان ضمن معايير علمية وموضوعية وترك المعايير غير العلمية أو المتعصبة أو المنحازة فان البحث العلمي يقتضي البحث المعرفي الخالص مع الابتعاد عن الايدولوجية والأفكار والأحكام المسبقة مع البحث عن المشتركات لذلك قال السيد الخوئي (قدس سره ) بكفاية نقل الثقة وهذه الرؤية لها أسسها في الفكر الإسلامي إلا ان علماء المسلمين لم يتوسعوا في مفهوم الثقة كما عند الفكر الرجالي الامامي لذلك قبلوا روايات الفطمية والناووسية والواقفة والعامة وغيرهم ولم يتوقفوا عن شخص ثبتت وثاقته وانه لا يكذب في نقله، ولو توسع المسلمون بهذا المفهوم لانحلت الكثير من الإشكالات وارتفعت الكثير من التضعيفات وهو من أعظم المقاربات بين الرؤى والأفكار المختلفة بين المسلمين.
المبحث الثالث: نص احد الأعلام المتأخرين (الأسس والضوابط)
وفي هذا الطريق للتوثيق يمكن الاعتماد على نص احد الأعلام من المتأخرين على أساس المعاصرة أو قريب منها لمن يورد فيه النص كما يمكن الاعتماد على توثيقات الشيخ منتجب الدين الرازي (ت 585هـ) فقد وثق طائفة من العلماء في كتابه فهرست أسامي علماء الشيعة ومصنفيهم وله كتاب تاريخ الري الذي لم يصل إلينا ولكن نقل عنه السبكي الشافعي في طبقات الشافعية ونقل عنه ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ) في لسان الميزان كثيرا من تراجم السنة والشيعة()، وكما يمكن الاعتماد على توثيقات ابن شهر آشوب (ت 588هـ) وهو من المعاصرين لمنتجب الدين الرازي وكل منهما ألف كتابا في فهرست علماء الشيعة وكتبهم ليكون تتمة لفهرست الشيخ ورغم ذلك لم يطلع احدهما على عمل الآخر().
والمتأخرون هم جمال الدين بن طاووس (ت :563هـ) صاحب كتاب (حل الإشكال في معرفة الرجال)، والحسن بن علي بن داود الحلي (ت كان حيا 707هـ) صاحب كتاب الرجال وهو تلميذ السيد ابن طاووس إذ قسم رجاله إلى المثقين والمهملين والأخر إلى المجروحين والمجهولين 2 والعلامة الحلي (ت 726هـ) وله ثلاثة كتب في الرجال():-
1-كشف المقال في معرفة الرجال وهو مفقود الآن، و الذي يحيل إليه كثير وسماه الكتاب الكبير.
2-خلاصة الأقوال في معرفة الرجال.
3-إيضاح الاشتباه في أسماء الرواة.
و المجلسي الأول محمد تقي بن مقصود (ت:1070هـ) والد المجلسي الثاني محمد باقر بن محمد تقي (ت:1110هـ) صاحب موسوعة بحار الأنوار ولهما كتب في الرجال، وهؤلاء من المتأخرين لا عبرة بتوثيقاتهم فقد أشار السيد الخوئي أنها مبنية على الحدس والاجتهاد وجزم بذلك، ثم علل ذلك بانقطاع السلسلة بعد الشيخ وبذلك عد عامة الناس مقلدة لفتاوى الشيخ، ومن هذه الأسس وضع السيد ضوابط قبول التوثيق منهم:-
1-إن الخبر عن الوثاقة لابد من صدوره من المخبر المعاصر. 2-إن الخبر عن الوثاقة أو الحسن لابد من صدوره من المخبر
القريب من عصر الموثق أو المحسن.
إذا هذه ضوابط قبول توثيقات المتأخرين كابن طاووس وابن داود والعلامة وغيرهم أما قبول توثيقاتهم فلا تقبل لأنها قد بنيت على الحدس والاجتهاد وكذلك انقطاع السلسلة بعد الشيخ() وربما لا يخلو هذا الكلام من نظر وتأمل.
ذكر الشيخ عبد الهادي الفضلي في كتابه (أصول علم الرجال) هذه الأسس والضوابط في التفريق بين المعتمد من التوثيقات وغير المعتمدة في انه لا غبار على اعتماد المنقولات وان لم يكن للناقل طريق روائي إلى صاحب الكتاب إذا صحت نسبة الكتاب إلى صاحبه() ويبدو ان الكتب كانت تعتمد بالوجادة وحسب قدر المؤلف وقيمته العلمية فيمكن الاعتماد على ما أورده بمنهج علمي وقرائن دالة حتى يمكن الاعتماد وعليه ولابد من أن نقول بانقطاع السلسلة إلا أنها انقطعت من زمان الشيخ فيه نظر.
نفى السيد الخوئي (قدس سره ) الاعتماد على توثيقات المتأخرين بأي وجه من الوجوه للأسباب الآتية():-
1- إن ابن طاووس وابن داود والعلامة الحلي ومن تأخر عنهم يعتمدون على الآراء والاستنباط.
2- الاستفادة من كلام النجاشي أو الشيخ في كتبهم وقليلا ما يعتمدون على كلام غيرهما.
3- يخطئون في هذه الاستفادة.
4- يخطئون في الاستنباط مثاله ان العلامة الحلي يعتمد على كل إمامي لم يرد فيه قدح وكذلك المجلسي يعد كل من للصدوق إليه طريقا فهو ممدوح.
علق الشيخ الفضلي على هذه الوجوه بان الخطأ في الاستفادة أو الاستنباط لا يلغي الوقوف في المنقول إذا نقل نصا لان الخطأ واقع على تقديره في الاجتهاد لا في النقل، ثم ان على المجتهد ان يجتهد كما اجتهدوا()، ان عملية التدوين لهذه الكتب التي تعد الأصول الرجالية بعد تدوين الحديث وضبط سلسلته يبقى الكلام في جزيئيات الإسناد للوصول إلى الحقائق والكلام ليس في الخطأ والاستفادة فهو راجع إلى القائم بعملية البحث العلمي ومدى استعداده للوصول إلى النتائج فان التوثيقات تأتي كنتائج للبحث العلمي والخروج من دائرة عدم الالتفات إلى تداخل العلوم فيما بينها فان أكثر العمليات العلمية تبنى على معيارية النقل والعقل وبالخصوص في الفكر الامامي مع اعترافهم بحاجة العقل إلى النقل ولكن يبقى للعقل مساحاته الواسعة في الرأي والاستنباط.
ومن استدرك احد تلامذته وهو الغريفي بان ما بني عليه: ((أستاذنا المحقق الخوئي)) من رد توثيقات المتأخرين مطلقا، ((لكنه ضعيف لوجود احتمال الحسي المعبّر فيها إذ كم استدرك المتأخرون على القدماء أمورا فاتتهم))() ومنه استمرار البحث الرجالي والتأليف فيه ولولا الاستدراكات والتأمل والنظر فيه لانتفى البحث الرجالي برمته وربما هو تصريح البعض لأنه من الأمور التاريخية في اعتقاده لذا قال: ((ولم يعد في الإمكان الآن الجرح والتعديل ولا إقامة علم لميزان الرجال فقد بعد العهد وتغير الزمان فهو علم تاريخي خالص))() ومنه استظهر بل جزم التحول من نقد السند إلى نقد المتن وهو غير صحيح فان الطريق إليه إجازة المرور وما زال البحث فيه مستمرا لدراسة الضوابط العلمية بقراءة جديدة تسلط المناهج والآليات المعاصرة في نقد هذا العلم نقدا علميا موضوعيا بل كشف الأسس منه للخروج بقراءة علمية لهذا التراث ألتوثيقي الفريد من نوعه في عموم الحضارات الإنسانية.
وهو ما ذكره الشهيد الثاني (ت:965هـ) في كتابه الدراية بأن السلف قد كفى: ((مؤنة الجرح والتعديل غالبا، ولكن ينبغي للماهر تدبر ما ذكروه فلعله يظفر بكثير مما أهملوه ويطلع على توجيه أغفلوه خصوصا مع تعارض الأخبار في الجرح والمدح فان طريق الجمع بينهما ملتبس على كثير حسب اختلاف طرقه وأوصله))()، وهذا النص يؤكد على النظر والتأمل فيما وصل ولكن ليس هو وحده بل النظر في جذور الجرح والتعديل لعله لغلبة الهوى أو التعصب أو أمور شخصية وليست علمية موضوعية قد وقع منه الجرح والتعديل ثم ان ما ذكره السيد الخوئي (قدس سره ) من عدم اعتماد توثيقات المتأخرين ضعفه السيد الغريفي فان الفاصل الزمني واحتمال الحدس كما هو موجود ممن يوثق أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) من النجاشي والطوسي هو نفس الملاك موجود عند ابن طاووس والعلامة إذا كيف تلك التوثيقات ولا تقبل هذه؟()، وهو إشكالية كبيرة ومستحكمة إلا ان نقول انه لا مانع من النظر العلمي الموضوعي من قرائن متعددة منها كتب الجرح والتعديل مع المقارنات العلمية كما صرح الشهيد الثاني من الظفر بما أهملوه وأغفلوه مع إعمال أو الترجيح في حالات التعارض.
لقد أصر السيد الخوئي (قدس سره ) ان السلسلة قد انقطعت بعد الشيخ الطوسي ولا طريق للمتأخرين إلى توثيقات الرواة وتضعيفهم غالبا إلا الاستنباط وإعمال الرأي والنظر ثم ذكر عدة شواهد على كلامه (قدس سره )()، ورد هذا القول السيد الغريفي بان كتب القدماء الرجالية غير الأصول كثيرة فيمكن وصول بعضها إلى العلامة الحلي بطريق معتبر فاعتمدوا عليها في التوثيق والتضعيف فقد وصل كتاب يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان إلى المحقق الحلي ونقل منهما الأحاديث()، وقد عثر ابن إدريس على بعض الأصول في الحديث واستخرج منها بعض الأحاديث وضمنها في مستطرفاته ولم تذكر في المجاميع الحديثية التي قبله، والسيد الخوئي (قدس سره ) قد نقل عن أستاذه محمد حسين النائيني (قدس سره ) انه كان عنده ما يقرب من خمسين أصلا من الأصول فان علم الرجال لا يشذ عن ذلك()، وان السيد نفسه قد ذكر قبل التعرض لمبحث نص احد الأعلام المتأخرين ان عدد الكتب الرجالية من زمان الحسن بن محبوب إلى زمان الشيخ بلغت نيفا ومائة كتابا()، وقد رد بعض الباحثين دعوى الانقطاع بالنسبة للمتأخرين إلا عن طريق الشيخ واثبت ان للعلامة طريقا إلى كثير من كتب القدماء لا تمر بالشيخ().
وبالجملة فان ما أسسه السيد الخوئي (قدس سره ) من ان نص المتأخرين لا عبرة له لأنه يبتني على الحدس والاجتهاد ويقبل كضابطة في حالة الأخبار عن وثاقة معاصر أو قريب العصر ومثل له بتوثيقات منتجب الدين وابن شهر آشوب وممن قاربهما لو عثر عليه، ولا عبرة بتوثيقات المتأخرين كابن طاووس وابن داود والعلامة الحلي ومن جاء بعدهم.
المبحث الرابع: دعوى الإجماع من قبل الأقدمين
(الأسس والضوابط )
يبدو ان السيد (قدس سره ) قد أسس مبدأ الاقدمية في القبول ولم يجعل للمتأخرين إلا البحث عن مثل هذه النصوص ومناقشتها للثنائية التي حكمت هذا الفصل التي هي الحس والحدس والأخير ولا يعتمد عليه لأنه مبني على النظر والاستنباط والاجتهاد في إصدار الحكم.
وفي هذا المبحث يقبل السيد الخوئي (قدس سره ) دعوى الإجماع من قبل الأقدمين أو حتى من قبل المتأخرين كما في دعوى ابن طاووس على وثاقة إبراهيم بن هاشم() وبهذا يكون السيد الخوئي (قدس سره ) قد وسع هذه الدعوى بين الناقل القديم والناقل والمتأخر() ولكن قد لضعف مثل هذا الإجماع لأنه منقول وهو غير حجة فيقال ان التوثيق ليس لأجله حتى يدعى هذه الدعوة بل للأولوية من نص احد الأعلام المتقدمين وذلك لتضمن دعوى الإجماع النص على التقويم من قبل القديم الناقل للإجماع مع زيادة دعوى انضمام تقويم الغير إليه() وقد رد هذه الدعوة بعض الباحثين بحجة رائحة الحدسية وان تقويمات المتأخرين مبنية على الحدس()، وان السيد الخوئي قد سره قد بين في مباحثه الأصولية ان الإجماع المنقول بخبر الواحد ليس بحجة()
في حين في هذه المباحث الرجالية قرر الاعتماد على هذا الإجماع وان كان منقولا ووثق وحسن في ضوء هذه القاعدة، وهنا يمكن الاعتماد على مثل تلك الاجماعات المنقولة حتى ا1ا كانت في كلمات المتأخرين فانه يكشف عن توفيق بعض القدماء لا محالة(). ان الإجماع من المتقدمين يمكن المثال عليه بما ذكره الكشي من الإجماع وان نوقش فيه ولكنه من الإجماع الذي نقل إلينا حول مجموعة من الرواة الثقات يمكن ان يكون توثيقا عاما ويمكن ان يكون توثيقا خاصا إذا نظرنا لكل راو على حدة.
ان عبارة الكشي لا تدل على أكثر من وثاقة هؤلاء الثمانية عشر()، ذكر الكشي في كتابه: ((أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح من هؤلاء وتصديقهم لما يقولون))() وهم:-
1- زرارة بن أعين.
2- معروف بن خربوذ
3- بريد بن معاوية.
4- أبو بصير الاسدي
5- الفضيل بن يسار
6- محرز بن مسلم الثقفي.
7- جميل بن دراج.
8- عبد الله بن مسكان.
9- عبد الله بن بكير.
10- حماد بن عثمان.
11- حماد بن عيسى
12- أبان بن عثمان
13- يونس بن عبد الرحمن
14- صفوان بن يحيى
15- محمد بن أبي عمير
16- عبد الله بن المغيرة.
17- الحسن بن محبوب
18- احمد بن محمد بن أبي نصر.
ان أول من نقل هذا الإجماع هو الكشي ثم الشيخ الطوسي ثم ابن شهر اشوب ثم ابن داود ثم العلامة الحلي وقد تلقوا هذا الإجماع بالقبول وان لم ينقله البعض كابن زهرة (ت 620هـ) وابن نما الحلي (ت 645هـ) واحمد بن طاووس (ت 573هـ) ثم تلقوه بالقبول القرون الآتية والكل قد اعتمد على نقل الكشي له().
هذا بالنسبة للإجماع الصادر من المتقدمين أما الإجماع الصادر من المتأخرين فمثاله كما ذكره السيد الخوئي (قدس سره ) في توثيق إبراهيم بن هشام ما ذكره السيد ابن طاووس علي بن موس (ت 664هـ) فقد جاء في كتاب فلاح السائل ما نصه: ((فمن ذلك ما ارويه بطرقي... إلى الشيخ الجليل أبي جعفر محمد بن بابويه رضوان الله جل جلاله عليه مما ذكره ورواه في أماليه قال: حدثنا موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن هاشم عن محمد بن أبي عمير، قال: حدثني من سمع أبا عبد الله الصادق ( عليه السلام )، يقول: ما أحب الله من عصاه ثم تمثل فقال:
تعصي الإله وان تظهر حبه
هذا محال في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لاطعته
ان المحب لمن يحب مطيع
أقول: ولعل قائلا يقول هذا البيتان لمحمود الوراق().
فنقلو ان الصادق ( عليه السلام ) تمثل بهما، ورواة الحديث ثقات بالاتفاق))()، ولفظ بالاتفاق يدل دلالة واضحة على الإجماع المنقول فيدخل إبراهيم بن هاشم هذا الإجماع فيكون على رأي السيد الخوئي (قدس سره ) انه من التوثيقات الخاصة ولو من إجماع المتأخرين وهو ابن طاووس علي بن موسى، ورد بعض الباحثين هذه الدعوى بل قطع بحدسية هذا الاتفاق إذ ان الرواية ليست عن موسى بن المتوكل بل هي عن محمد بن موسى بن المتوكل وهو ليس له توثيق إلا عند من تأخر عن ابن طاووس كابن داود والعلامة الحلي وربما وثقاه اعتمادا على كثرة نقل الصدوق عنه وترحمه عليه تارة وترضية عليه أخرى وإبراهيم بن هاشم لم ينص على وثاقته وهي في نظره إمارات حدسية خصوصا مع ملاحظة عدد كثير من الفقهاء لرواياته من الحسان، والغريب من هذا الباحث انه ذكر في الهامش ان إبراهيم من الأجلاء الثقات الذين لا يحتاجون إلى نص خاص على وثاقتهم().
وهذا الكلام يبدو تناقضه واضحا فكيف إذن حصلت وثاقة إبراهيم بن هاشم إذا لم يعتمد على الإجماع المنقول وقرائن أخرى تفيد ذلك.
يبدو ان السيد الخوئي (قدس سره ) قد وسع الإجماع المنقول حتى شمل المتأخرين ولكن ليس من كل احد بل قيده بالأخبار.
الخلاصــة
بعد هذه الجولة في المقدمة الثانية من مقدمات كتاب معجم رجال الحديث للسيد الخوئي (قدس سره ) خلصنا إلى النتائج الآتية:-
1- أسس السيد الخوئي (قدس سره ) أربعة أوجه لمعرفة الوثاقة أو الحسن واعتمادها.
2- ان نص المعصوم يثبت بالوجدان والرواية المعتبرة وبضوابط.
3-نفى السيد حجية الظنون الرجالية وأكد انفتاح باب العلم والعلمي في علم الرجال.
4- أسس لقاعدة الثقة في حجية الإخبار وهي أوسع من قاعدة العدالة.
5- أسس لقاعدة قبول نص توثيقات المتقدمين ولا عبرة للمتأخرين إلا في الإجماع المنقول فيمكن قبوله.
6- ومن هذه المقدمة وغيرها يمكن القول بعد بحث جميع المقدمات وبكل جدارة ان السيد الخوئي (قدس سره ) قد أعاد لحوزة النجف المباركة البحث الرجالي نظريا وعمليا فقد طبق مبناه هذا في اغلب أبحاثه الأصولية والفقهية فضلا عن أبحاثه الرجالية في موسوعته الرائعة معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة.
المصادر والمراجع
الابطحي، محمد علي الموحد.
1-تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال، (قم: فكارس، 1412هـ).
الاخوند، محمد كاظم الخراساني (ت 1329هـ).
2-كفاية الأصول، تحق: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، (قم: مؤسسة
آل البيت لإحياء التراث، بلا).
الأنصاري، مرتضى (ت 1282هـ).
3-فرائد الأصول، تحق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، (قم: باقري،
1419هـ).
ابن ترمس، أمين العاملي.
4-ثلاثيات الكليني، (قم: دار الحديث، 1417هـ).
ابن أبي حاتم، أبو محمد عبد الرحمن: (ت 327هـ).
5-كتاب الجرح والتعديل، (الهند: مطبعة دائرة المعارف العثمانية،1371هـ).
حنفي، حسن.
6-من النقل إلى العقل (علوم الحديث من نقد السند إلى نقد المتن)، (بيروت: دار الأمير، 1430هـ).
الخاقاني :علي
7-رجال الخاقاني، تحق: محمد صادق بحر العلوم، (قم: مؤسسة الإعلام
الإسلامي، 1404هـ).
الخوئي، أبو القاسم الموسوي (ت 1413هـ).
8-معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة، بلا معلومات طبع.
9-البيان في تفسير القرآن، (بيروت: دار الزهراء، 1395هـ).
ابن دقيق، معين حسن العاملي.
10-السوائح العاملية في تنقيح القواعد الرجالية، (قم: مطبعة مكتب
الإعلام الإسلامي، 1426هـ).
الربيعي، حسن كريم ماجد.
11-تحقيق حال المعلى بن خنيس، النجف الاشرف، مجلة المبين/العدد الثالث.
الزركلي، خير الدين (ت 1410هـ).
12-قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين
والمستشرقين، (بيروت: دار العلم للملايين، 1980/).
السبحاني، جعفر.
13-دور الشيعة في الحديث والرجال نشأة وتطورا، قم: مؤسسة الإمام الصادق، 1431هـ).
14-كليات في علم الرجال، (قم: مؤسسة النشر الإسلامي، 1414هـ).
الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي (ت 965هـ).
15-علم الدراية، (قم: مكتب الإعلام الإسلامي، 1423هـ).
ابن طاووس، رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى (ت 664هـ).
16-فلاح السائل، معلومات طبع، الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن (ت 460هـ).